شفق نيوز/ على وقع اجتماعات فنية وأمنية بين بغداد وواشنطن لجدولة الانسحاب الأميركي الذي يقود التحالف الدولي في العراق منذ العام 2014، أطلق الجيش الأميركي تحذيراً بأن تنظيم داعش "يحاول إعادة تشكيل نفسه" في العراق وسوريا، وفيما يجد محللون أن "تنشيط داعش" يأتي لإيجاد تبرير لبقاء القوات الأجنبية في العراق، يؤكد آخرون أن العراق ما زال بحاجة إلى التحالف والولايات المتحدة للأبعاد الثلاثة (الأمنية والسياسية والدبلوماسية).

ويتعلق بقاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق، بحسب عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، طالب اليساري، إلى "حاجة قوات وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة المعنية الأخرى للقوات الأميركية، لكن القوات الأمنية العراقية على أتم الجهوزية والاستعداد".

ووفق اليساري، الذي تحدث للوكالة، فإن "لجنة الأمن والدفاع وجهت سؤالاً لوزير الدفاع العراقي ثابت العباسي بهذا الخصوص، وأكد أن هناك حاجة للتحالف الدولي كمستشارين للتجهيز والتسليح"، مبيناً اليساري، "إننا حالياً نعمل وفق الحاجة، وأن هذا الملف يدرس حالياً من كل الجوانب، وهناك جهود تبذل لإكمال التجهيزات منذ عام 2023 وهي مستمرة للعام الحالي 2024".

 

عوامل قلق

 

لكن الخبير الاستراتيجي، الدكتور أحمد الشريفي، رأى أن "هناك عوامل كثيرة في الميدان لا زالت تثير القلق منها هشاشة الحدود، ودليل ذلك التوغل التركي الذي وصل إلى مديات كبيرة وله خطوط دعم لوجستي (برية وجوية)، بمعنى هناك ثغرات حدودية".

وأردف الشريفي، خلال حديثه للوكالة، بالقول: "فضلاً عن الأزمات السياسية وعدم وجود وحدة موقف، وتعثر الدور البرلماني في أن يلعب دوراً مهماً ومباشراً في الإشراف والرقابة والمتابعة لمؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية والعسكرية، وأن غياب الإشراف والرقابة والمتابعة يجعلها بشكل أو بآخر خارج إطار الرقابة العليا (الدستور)، لذلك هناك ثغرات كثيرة أدت بشكل أو بآخر إلى تنامي العمليات الإرهابية وظهور داعش مجدداً".

وتابع: "منذ فترة جرى الحديث عن مطلب سياسي لمسألة الانسحاب للقوات الأجنبية وهو التحالف الدولي والولايات المتحدة في ظل عدم وجود وحدة موقف وطني، فليس هناك إجماع وطني على المطالبة بخروج القوات الأجنبية، وحتى من يتبنى هذا الخيار هو يخضع لضواغط إقليمية وتحديداً إيران، على اعتبار أن مطالب مغادرة التحالف والولايات المتحدة هو مطلب إيراني، لذلك كل هذه العوامل حاضرة في الميدان".

 

صراع "كسر الحدود"

وبحسب الشريفي، فإن الأزمات المركبة والوضع الميداني في العراق يقتضي بقاء قوات التحالف والقوات الأميركية، بسبب أن البلاد أمام صراع إقليمي قد تستخدم فيه ورقة كسر الحدود". 

وشرح الشريفي "ورقة كسر الحدود" بالقول، إن "العراق يوم ما دخلت داعش كان الحديث عن كسر الحدود على مستوى الجماعات الإرهابية، ولكن حال الانتصار عليها والتمكن من غلق بعض الثغرات الحدودية، ظهر كسر للحدود عبر التسلل وتهريب المخدرات".

وأضاف أن "هناك كسراً للحدود اقتصادياً أيضاً بمسألة تهريب الدولار، وما ارتفاع سعره وتذبذبه إلا بسبب كسر الحدود اقتصادياً وهو ما يستنزف الموارد المالية كما استنزف الإرهاب الموارد البشرية، صحيح أن العمليات الإرهابية انحسرت ولكنها لم تنتهِ، وعدم انتهائها يدل على أن تحدي الإرهاب لا زال قائماً، فضلاً عن كسر الحدود التي تم ذكرها آنفاً، لذلك المصلحة الوطنية العليا تقتضي بقاء القوات الأميركية لحين استكمال القدرات الوطنية".

وعن أهمية وجود التحالف الدولي، ضرب الشريفي مثالاً على ذلك بالقول، إنه "اليوم، تم استهداف مجموعة جوالة من داعش في جبال حمرين، وهذه المجموعة رُصدت من قبل الجهد التقني الساند للتحالف الدولي وتحديداً الولايات المتحدة، حيث تمت متابعة المجموعة إلكترونياً، ثم بعد ذلك قامت طائرات أف 16 العراقية بتنفيذ الضربة".

وأشار إلى أن "في حال لم يكن هناك متابعة إلكترونية لهذه الجماعات لاستطاعت هذه الجماعات التسلل وتصل إلى ديالى وربما تصل حتى إلى حزام بغداد، وقد تقوم بعمليات تستهدف فيها القطاعات الأمنية والعسكرية، لذلك من حيث التقييم، لا زال العراق بحاجة إلى التحالف الدولي والولايات المتحدة، فضلاً عن الارتباط معها بتحالف ضامن لتأمين مستلزمات إدارة صراع إقليمي".

 

أبعاد التعاون الأمريكي

وأردف الخبير الاستراتيجي: "فعندما يتم الحديث عن الاجتياح التركي والعراق حليفاً للولايات المتحدة فيمكن الذهاب إلى مجلس الأمن وفي بعض ساعات يستطيع العراق أن يصدر قرراً لصالحه، ولكن في حال كانت هناك خصومة مع الولايات المتحدة وطرد العراق التحالف الدولي والأميركي فلن يسمع صوت العراق في الأمم المتحدة ومجلس الأمن".

وبيّن أن "التعاون مع الولايات المتحدة لا ينحصر في المسائل العسكرية، وإنما أيضاً في البعد السياسي والدبلوماسي واستثمار العلاقات الدولية لاسيما مع دول كبرى في مسألة إيجاد التوازن، حتى على مستوى الدور الروسي في سوريا، والدور الأميركي في العراق، فهو فاعل وقد يتحكم فيه صانع القرار السياسي في العراق إذا امتلك الحكمة لتحقيق مصالح عليا للدولة العراقية في انتزاع امتيازات سواء من روسيا أو من الولايات المتحدة بما يصب في التنمية المستدامة وبناء القدرات الوطنية حتى على مستوى القدرات التسليحية".

وخلص الشريفي إلى القول: "وبناءً على كل مما سبق، فإن العراق لا زال بحاجة إلى التحالف الدولي والولايات المتحدة للأبعاد الثلاثة الأمنية والعسكرية ضمناً، والسياسية والدبلوماسية".

بدوره، قال الخبير الأمني، هيثم الخزعلي، إن "الجانب العسكري والفني العراقي أعلن في المفاوضات بين الحكومتين العراقية والأميركية أنه لا حاجة لوجود القوات الأميركية، لكن الولايات المتحدة تقول إن وجودها في العراق مرتبط بوجود قواتها في سوريا وحاجتها للدعم اللوجستي".

ورأى الخزعلي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "تنشيط داعش يأتي لإيجاد تبرير لبقاء القوات الأجنبية في العراق في عملية تخادم واضح"، على حد تعبيره.

 

داعش يحاول التجديد

وأول أمس الأربعاء، أعلنت القيادة المركزية في الجيش الأميركي، أن تنظيم داعش "يحاول إعادة تشكيل نفسه" في سوريا والعراق "بعد عدة سنوات من انخفاض قدراته".

وقالت القيادة المركزية في بيان، إن التنظيم المتشدد تبنى 153 هجوماً في العراق وسوريا خلال النصف الأول من العام 2024. وبهذا المعدل، فإن داعش في طريقه إلى الوصول الى ضعف العدد الإجمالي للهجمات التي أعلن مسؤوليته عنها في عام 2023.

وأضافت أنه نفذت "جنباً إلى جنب مع شركائنا في هزيمة هذا التنظيم، قوات الأمن العراقية وقوات سوريا الديمقراطية، 196 مهمة لدحر داعش مما أدى إلى مقتل 44 من عناصر التنظيم و 166 آخرين تم اعتقالهم في النصف الأول من العام 2024".

كما أشارت القيادة، إلى أن العمليات المذكورة أعلاه أسفرت عن مقتل 8 من كبار قادة داعش وأسر 32 آخرين في كل من العراق وسوريا. من بين هؤلاء القادة المسؤولون عن التخطيط للعمليات خارج البلدين، والتجنيد والتدريب وتهريب الأسلحة.

وأكد بيان القيادة، أن تحييد هؤلاء الأفراد من مناصبهم القيادية يؤدي إلى مزيد من التدهور في قدرة التنظيم على القيام بعمليات خارجية في الولايات المتحدة والدول الحليفة.

وكان التنظيم المتشدد وراء 121 هجوماً في سوريا والعراق خلال عام 2023، وفقاً لمسؤول دفاعي أميركي تحدث عن هذا الأمر.

يشار إلى أن الجولة الأولى من المحادثات بين بغداد وواشنطن بدأت في كانون الثاني يناير الماضي، فيما أفضت الجولة الأولى للحوار الثنائي الذي عُقد في بغداد إلى اتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لمراجعة مهمة التحالف الدولي وإنهائها والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية.

واستؤنفت مفاوضات بغداد وواشنطن في شباط/فبراير الماضي، مع اعتماد خفض مدروس وتدريجي، وصولاً إلى إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي لمكافحة داعش، وفق البيانات الرسمية العراقية، لتتبعها جولتان أخريان في آذار مارس ونيسان أبريل الماضيين.

ويوجد نحو 2500 عسكري أميركي في العراق، ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن منذ أيلول/سبتمبر عام 2014، ويتوزع الجنود على ثلاثة مواقع رئيسة في العراق، هي قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير في أربيل، ومعسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد الدولي، ويضاف للقوات الأميركية، قوات فرنسية، وأسترالية، وبريطانية، تعمل ضمن قوات التحالف، وأخرى ضمن الناتو في العراق.